*غزة تشعل حرباً كلاميّةً روسية - إسرائيلية | موسكو - تل أبيب: اختراق متدرّج* فلسطين *حسين إبراهيم* الإثنين 20 تشرين الثان

*غزة تشعل حرباً كلاميّةً روسية - إسرائيلية | موسكو - تل أبيب: اختراق متدرّج*

فلسطين
*حسين إبراهيم*
الإثنين 20 تشرين الثاني 2023

بوتين يجد في ما يجري في فلسطين، فرصة إستراتيجية لكسر الهيمنة الأميركية على هذه المنطقة (ا ف ب)

ماذا يجري في العلاقات بين روسيا وإسرائيل هذه الأيام؟ سؤال صارت الإجابة عنه ملحّة في ضوء التبادل العلني للهجمات الكلامية بين الدولتين، ليتعمّق المأزق الذي تعيشه تل أبيب في علاقتها بموسكو، والذي بدأ يتظهّر بعد أن وجدت الأولى نفسها محشورة في حرب أوكرانيا، قبل أن يستقرّ موقفها على تأييد سياسي للتحالف الغربي، مع الامتناع عن الدعم العسكري لكييف.

ما زالت إسرائيل تراعي حساسيات روسيا في هذا الجانب، أملاً في بقاء الأخيرة على سياسة «متوازنة» نسبياً في الشرق الأوسط. ظهر ذلك في رفضها استقبال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي عرض المجيء للتضامن معها بعد عملية «طوفان الأقصى».
موسكو أيضاً ما زالت تأخذ المصالح الإسرائيلية في الاعتبار. لكن المعارك التي تخوضها كلّ من الدولتَين تُعتبر وجودية بالنسبة إليها: روسيا في أوكرانيا، وإسرائيل في غزة، وعلى جبهات المساندة. واستتباعاً، تتباعد المواقع بينهما، حتى لو لم تُرد أيّ منهما حصول ذلك.

صار الانتصار الإسرائيلي في غزة يعني بالنسبة إلى موسكو تعزيزاً للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، ستترجمه واشنطن ضد الروس في أوكرانيا، في حين أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يجد في ما يجري في فلسطين، فرصة إستراتيجية لكسر الهيمنة الأميركية على هذه المنطقة، في حال هزيمة إسرائيل، أو عدم انتصارها في أسوأ الأحوال. الجديد هنا أن موسكو تتصرّف منذ بداية الحرب، بلا مداراة كثيرة لتل أبيب، بدءاً من الامتناع عن إدانة عملية «طوفان الأقصى» و«حماس»، ثم استقبال وفد من الحركة، وصولاً إلى تحميل الولايات المتحدة مسؤولية ما يجري في غزة، وطرح روسيا نفسها وسيطاً بديلاً في عملية التسوية، وإن كانت تدرك أنّ إسرائيل لا يناسبها أي وسيط غير واشنطن. تتعامل موسكو مع حرب غزة بصفتها محطة مفصلية، كونها بالفعل أدت إلى تراجع الاهتمام العالمي، وحتى الأميركي، بحرب أوكرانيا. لكن الأهم أن هذه الحرب، في حال لم تحقّق أميركا وإسرائيل أهدافهما فيها، قد تؤدي إلى تفكيك التحالف القائم ضمناً، والمنوي تكريسه علناً ورسمياً بين عدد كبير من الأنظمة العربية، وتحديداً الخليجية، وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي من شأنه أن يكرّس الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط لوقت طويل، الأمر الذي تعتبره موسكو إخلالاً في التوازن القائم حالياً. وعليه، فالهزيمة الإسرائيلية والأميركية ستنسحب أيضاً على تلك الأنظمة، وتجعلها في حاجة إلى خطاب آخر تتوجّه به إلى شعوبها، ما يفتح أمام روسيا وغيرها من المنافسين للولايات المتحدة فرصة تحسين علاقاتها بالدول المذكورة.

مثل هذا الاحتمال حصلت له مقدمات بالفعل. السعودية، مثلاً، تعلّمت كيف تقيم علاقة عملية مع روسيا في أسواق النفط، مخالفة الرغبات الأميركية.

الجديد هنا أن موسكو تتصرّف منذ بداية الحرب، بلا مداراة كثيرة لتل أبيب

وتملك روسيا بفضل موقفها من الحرب، فرصة تحسين صورتها لدى الرأي العام في هذه المنطقة، بعد أن تضرّرت كثيراً بسبب حروب أفغانستان والشيشان وسوريا. وفي الموازاة، يبدو الرهان الروسي على «محور المقاومة» أكبر من ذي قبل. ولذا، ستكون موسكو من المستفيدين إذا ما استطاع هذا المحور تعزيز قوته وشعبيته في العالمين العربي والإسلامي بنتيجة حرب غزة. والأكثر إثارة أن الموقف الروسي في الحرب الحالية، لا يتساوق مع موقف الشعوب العربية فقط، إنما مع تغيير جوهري في المواقف الشعبية العالمية من القضية الفلسطينية نتيجة الوحشية في غزة. هنا، يسقط المنطق الذي سوّقته الحكومات الغربية لرأيها العام، ونجحت فيه إلى حد كبير، وأعادت عبره استنفار «حلف شمال الأطلسي» وتوسيعه إلى أكثر مما كان عليه في الحرب الباردة. كيف سيتقبّل هذا الرأي العام ذلك الاصطفاف تحت حجة أن روسيا دولة غير ديموقراطية وتوسّعية، في حين أن الحكومات نفسها تغطي أكبر عملية إبادة شهدتها الحروب الحديثة، وهي تجري مباشرة على شاشات التلفزيون؟

قد لا يكفي كل ما تقدّم، لحلّ بعض الإشكاليات التي ما زالت ترافق المواقف الروسية من الصراع العربي - الإسرائيلي والموروثة من الحقبة السوفياتية. فثمة أسئلة كثيرة تدور في أذهان العرب العاديين في شأنها، من مثل: لماذا لا تمنع موسكو تل أبيب من قصف من يُفترض أنهم حلفاؤها في سوريا، خصوصاً أن روسيا أعلنت، على لسان نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف، أن إسرائيل توقفت عن إخطارها بهذا القصف بعد حرب غزة؟ وهل ستحمي موسكو قصر الرئاسة السوري من هكذا هجمات إذا ما اتسعت الحرب وانخرطت فيها دمشق؟ والأهم من ذلك، هل ستوفر موسكو لأطراف محور المقاومة أسلحة يمكن أن تحيّد التفوق الجوي الإسرائيلي؟ الجواب على السؤال الأخير تم إخفاؤه خلف نفي روسيا السريع لتقارير صحافية غربية عن أن الاستخبارات الأميركية تعتقد أنها تجري محادثات مع «حزب الله» لإمداده بصواريخ أرض – جو من نوع «بانتسير» عن طريق قوات «فاغنر».

حتى الآن، يقتصر تبادل الضربات بين موسكو وتل أبيب على السياسة والكلام. إسرائيل وقفت في الصف المعارض لروسيا سياسياً في أوكرانيا. وردّت لها الثانية الضربة بأن وقفت ضدها، سياسياً أيضاً، في حرب غزة.
صحيح أن الولايات المتحدة سعت إلى تحقيق هدف تدمير روسيا عبر تجييش العالم ضدها في حرب أوكرانيا، وفرض عقوبات قاسية عليها، وعدم فتح أي باب للتسويات، إلا أنّ تمايز الموقف الإسرائيلي، وكونه ظلّ نسبياً لا مطلقاً، انعكس تمايزاً مماثلاً في أداء الحركة الصهيونية العالمية، التي تملك نفوذاً هائلاً في العالم على المستويين الاقتصادي والمالي، حيال روسيا. ولعلّ هذا بالضبط ما قصده المسؤول في حزب «الليكود» الإسرائيلي، أمير ويتمن، حين قال قبل أيام إن تل أبيب ستفرض عقوبات على موسكو، بعد نهاية حرب غزة.
التغيّر الملحوظ في الموقف الروسي لم يصل إلى حدّ اعتبار إسرائيل عدواً، لأن موسكو لا تعتقد أن حلّ مسألة الحرب في أوكرانيا سينتهي بهزيمة التحالف الغربي، في حين أن واشنطن لا ترى حتى الآن إلا حلولاً عسكرية لها. روسيا ستدافع عن نفسها حتى النهاية، ولكنها تقبل بتسوية تنهي الحرب. ولهذا، لا تعتبر أن من مصلحتها أن تكون طرفاً مباشراً ضد إسرائيل والولايات المتحدة في حرب غزة
المصدر : admin
المرسل : Sada Wilaya